سورة : 4 - سورة النساء, اية : 115 - سورة : 8 - سورة الأنفال, اية : 13
لنرى كيف يبدأ الانحراف
حين يُنزَع النص من سياقه،
ويُطالَب العقل بالصمت
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ
A- مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
B- وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
(سورة : 4 - سورة النساء, اية : 115)
تبدأ الآية ب:
﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ﴾
فهل تتوقّف هنا؟؟
و هل تُقرأ مبتورة كما اعتاد الخطاب السائد؟؟
وهل هناك قيود تحدّد معنى المشاققة بدقّة؟؟
أم أنّ من يقدّمون أنفسهم على أنهم
وكلاء الله في أرضه
الموقعين باسمه
و المفسرين الحصريين لكتابه
تجاهلوا تلك الحدود
فقاموا بالتعميم من أجل المصلحة؟؟؟
نجد الجواب في نفس الآية
ملاحظة أولى
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
والهدى في القرآن ليس مفهومًا عائِمًا،
ولا تراثًا شفهيًا،
ولا روايات متفرّقة،
بل هو القرآن نفسه
ملاحظة ثانية
﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
أي يترك السبيل
الذي اجتمع عليه المؤمنون
حول هذا الهدى الذي هو القرآن،
لا حول الأشخاص
ولا حول المذاهب
ولا حول سلطة دينية لاحقة.
إذًا
رَبْطُ اللهِ
للمشاققةَ عن الرسول
لم يكن بالخروج عن حديثٍ لم يُذكر،
ولا عن أقوالٍ لم تُسَمَّ،
ولا عن تراثٍ لم يكن موجودًا أصلًا
عند نزول الآية،
بل رَبَطَها صراحةً
بالهُدى
أي بالقرآن.
مشاققة الرسول الحبيب لا تتمّ
بمخالفة الحديث
ولا باتباع مدرسة فقهية
ولا برفض اجتهاد بشري.
بل بالابتعاد عن القرآن
و كل كتبه المنزلة (الهدى)
ومن هنا يبدأ التحريف:
حين يُنزَع القيد القرآني
ويُستبدَل به قيدٌ لم يذْكره الله،
فيتحوّل النص
من تحذيرٍ أخلاقي واضح،
إلى أداةِ اتهامٍ جاهزة
تُشهَر في وجه كل من يفكّر.
والقرآن بطبيعة الحال
بريء من هذا الاستعمال.
لنمرّ لآية أخرى يتشبّث بها
أيّ شخص يتبع بما وجدنا عليه آباءنا
يقول تعالى
في سورة الأنفال اية 13:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(سورة : 8 - سورة الأنفال, اية : 13)
هنا يتغيّر السياق تمامًا.
نحن لسنا أمام
مخالفة رأي،
ولا ترك حديث،
ولا خروج عن مذهب.
الآية تتحدّث عن مشاققة
مرتبطة بالفعل العسكري
والدليل ليس خارجيًا
بل في الآيات الموالية مباشرة
من السورة نفسها:
الأنفال ايتين : 15 - 16
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ
إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ
فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
(سورة : 8 - سورة الأنفال, اية : 15 - 16)
- إذًا!!!!
المشاققة هنا
ليست خلافا فكريا
ولا نقاشا عقائديا
ولا موقفا تأويليا
بل هي:
كسرٌُ لصفٍّ عسكري!!!!
أو خيانةٌُ في ساحة قتال!!!!
أو فرارٌ يُعرِّض الجماعة للهلاك!!!!
ومن الخطير جدًّا
أن تُنزَع هذه الآية من سياقها الحربي!!!!
ثم تُسقَط على:
باحثٍ يفكّر
أو إنسانٍ يسأل
أو مسلمٍ يقرأ القرآن بعقله.
فالقرآن دقيق!!!!
وسياقاته محكمة!!!!
ولا يسمح بهذا الخلط المتعمَّد
بين الخيانة في الحرب
والاختلاف في الفهم.
وهنا يتّضح مرة أخرى:
كلمة المشاققة في القرآن
ليست مطلقة،
ولا واحدة المعنى،
بل مقيّدة بالسياق:
في سورة النساء: مرتبطة بالهدى الذي هو القرآن.
وفي الأنفال: مرتبطة بالحرب والانضباط العسكري.
وأيّ قراءة تتجاهل هذا التفريق
ليست تدبّرًا
بل تحميلٌ للنص ما لا يحتمل!!!!